فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

أعجب العرب كثيرا بقوله تعالى: {خذ العفو} إلى آخر الآية، لما فيها من سهولة النفوس، وتأثير في القلوب، ما ليس لغيره.
نماذج شعرية من الانسجام:
ومن النماذج الشعرية لهذا الفنّ التي خلت من البديع، إلا أن يأتي ضمن السهولة، من غير قصد، كقول بعضهم، وينسب إلى ديك الجنّ الشاعر الحمصي:
يا بديع الدّلّ والغنج ** لك سلطان على المهج

إنّ بيتا أنت ساكنه ** غير محتاج إلى السّرج

وجهك المأمول حجّتنا ** يوم تأتي الناس بالحجج

ولبهاء الدين زهير:
لحاظك أمضى من المرهف ** وريقك أشهى من القرقف

ومن سيف لحظك لا أتّقي ** ومن خمر ريقك لا أكتفي

أقاسي المنون لنيل المنى ** ويا ليت هذا بهذا يفي

زها ورد خدّيك لكنه ** بغير النواظر لم يقطف

وقد زعموا أنه مضعف ** وما علموا أنه مضعفي

ومما يستحق أن يغنى به قول صفيّ الدين، وقد بلغ غاية الانسجام:
قالت: كحلت الجفون بالوسن ** قلت: ارتقابا لطيفك الحسن

قالت: تسلّيت بعد فرقتنا ** قلت: عن مسكني وعن سكني

قالت: تشاغلت عن محبتنا ** قلت: بفرط البكاء والحزن

قالت: تخلّيت، قلت عن جلدي ** قالت: تغيّرت، قلت: في بدني

قالت: أذعت الأسرار، قلت لها** * صيّر سري هواك كالعلن
قالت: فماذا تروم؟ قلت لها ** ساعة سعد بالوصال تسعفني

قالت: وعين الرقيب ترقبنا ** قلت: فإنّي للعين لم أبن

أنحلتني بالبعاد عنك فلو ** ترصّدتني العيون لم ترني

ونختم هذه المختارة بالحكاية الآتية: قيل: إن بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي، وقد أخنى عليها الزمان، وأذهب بهجتها، وأخلق ديباجتها، وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة. فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وتمثل بهذه الأبيات:
ولقد وقفت على ربوعهم ** وطلولها بيد البلى نهب

فبكيت حتى ضجّ من لغب ** نضوي وعجّ بعذلي الرّكب

وتلفتت عيني فمذ خفيت ** عني الطّلول تلفّت القلب

فمر شخص فقال له: أتعرف هذه الأبيات؟ فقال: لا قال: واللّه إنها لصاحب هذه الدار، فتعجبا من غريب هذا الاتفاق، والشيء بالشيء يذكر.

.[سورة الأعراف: الآيات 201- 206]

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}.

.اللغة:

{طائِفٌ}: يحتمل أن يكون اسم فاعل من طاف به الخيال يطيف طيفا، أو مصدر منه، وقد قرأ أهل البصرة {طيف}، وكذا أهل مكة، وقرأ أهل المدينة والكوفة: {طائف}.
{اجْتَبَيْتَها} اجتبى الشيء: بمعنى جباه لنفسه، أي: جمعه.
{الغدو} بضمتين جمع غدوة، بضم الغين وسكون الدال، وهي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
{الْآصالِ} جمع أصيل وهو من العصر إلى الغروب.

.الإعراب:

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ} إن واسمها، وجملة اتقوا صلة، وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن، متضمن معنى الشرط، وجملة مسهم في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف، والهاء مفعول به لمسّ، وطائف فاعله، ومن الشيطان جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لطائف، وإذا وشرطها وجوابها الآتي خبر إن {تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} جملة تذكروا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، والفاء عاطفة، وإذا فجائية، وقد تقدم الكلام عنها، وهم مبتدأ ومبصرون خبر {وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} اضطربت أقوال المعربين والمفسرين في هذه الآية، وتفاديا للضياع في متاهات الأقوال المتشعبة نجتزئ بأشهر الأقوال وأقربها إلى العقل والمنطق، فنقول: وإخوانهم: الواو استئنافية، وإخوانهم مبتدأ، والضمير فيه يعود على الشيطان، لأنه لا يراد به الواحد بل الجنس، والضمير المنصوب في يمدونهم يعود على الكفار، والمرفوع يعود على الشيطان، والتقدير وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين، وعلى هذا فالخبر جار على غير من هو له في المعنى، ألا ترى أن الإمداد مسند إلى الشياطين، وهو في اللفظ خبر عن إخوانهم؟ قال الزمخشري:
وهذا الوجه أوجه، لأن {إخوانهم} في مقابلة {الذين اتقوا}، وفي الغي جار ومجرور متعلقان بيمدونهم، وثم حرف عطف وتراخ، ولا يقصرون عطف على يمدونهم، ولا نافية. وهناك أوجه ترجع من حيث النتيجة إليه، فنكتفي به {وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها} الواو حرف عطف، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط، وجملة لم تأتهم في محل جر بالإضافة، وبآية جار ومجرور متعلقان بتأتهم، وجملة قالوا لا محل لها من الإعراب، ولولا حرف تحضيض، فالكلام طلبيّ، أي: اجتبها واخترعها من عند نفسك، كما هي عادتك {قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} إنما كافة ومكفوقة، وأتبع فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة يوحى بالبناء للمجهول لا محل لها لأنها صلة الموصول، وإلي جار ومجرور متعلقان بيوحى، ومن ربي جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} هذه الجملة تتمة لقول القول، داخلة في حيزه، وهذا اسم إشارة في محل رفع مبتدأ، وبصائر خبره، ومن ربكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لبصائر، وهدى عطف على بصائر، وكذلك رحمة ولقوم جار ومجرور متعلقان برحمة، وجملة يؤمنون صفة لقوم {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة، ويحتمل أن تكون عاطفة، والكلام من جملة المقول المأمور به، وإذا شرط مستقبل، وجملة قرئ القرآن في محل جر بالإضافة، والقرآن نائب فاعل، والفاء رابطة، وجملة استمعوا له لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وله جار ومجرور متعلقان باستمعوا، واختلف في الاستماع والمراد به، وأظهر الأقوال أنه الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في صلاة أو غير صلاة، وقيل: معنى {فاستمعوا}: فاعملوا بما فيه ولا تجاوزوه. ولعل واسمها، وجملة ترحمون خبرها، وجملة الرجاء حالية {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} الواو عاطفة، واذكر فعل أمر، وربك مفعول به، وفي نفسك جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وهو عام في الأذكار، وتضرعا وخيفة في نصبهما وجهان: أحدهما أنهما مفعولان لأجلهما، والثاني أنهما مصدران وقعا موقع الحال، أي: متضرعين خائفين {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ} الواو عاطفة، ودون ظرف متعلق بمحذوف معطوف على في نفسك، أي: في السّرّ وفي الجهر، ومن القول جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وبالغدو والآصال جار ومجرور متعلقان باذكر، والواو عاطفة، ولا ناهية، وتكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلا الناهية، ومن الغافلين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} كلام مستأنف مسوق لذكر المؤمنين الذين استأهلوا القرب من اللّه. وإن واسمها، وعند ربك ظرف متعلق بمحذوف لا محل له من الاعراب، لأنه صلة الموصول، وجملة لا يستكبرون خبر إن، والمراد بالعندية القرب من اللّه والزلفى إليه، وعن عبادته جار ومجرور متعلقان بيستكبرون، ويسبحونه عطف على ما تقدم، وله الواو عاطفة والجار والمجرور متعلقان بيسجدون، ويسجدون عطف على يسبحونه، ويجوز ان تكون الواو حالية أو استئنافية، وجملة يسبحونه خبر لمبتدأ محذوف، أي: وهم يسبحونه.

.الفوائد:

وهذا فصل ممتع للإمام الغزالي ننقل بعضه لمناسبته ونفاسته.
قال: ولأجل شرف ذكر اللّه عظمت رتبة الشّهادة، لأنّ المطلوب الخاتمة، ونعني بالخاتمة وداع الدنيا والقدوم على اللّه تعالى، والقلب مستغرق باللّه عز وجل، فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال، فانه قطع الطّمع عن مهجته وأهله، وماله وولده، بل من الدنيا كلّها، فإنه يريدها لحياته. وقد هون على قلبه حياته في حب اللّه عز وجل، وطلب مرضاته، فلا تجرّد أعظم من ذلك، ولذلك عظم أمر الشّهادة.
ولما استشهد عبد اللّه بن عمرو الأنصاريّ يوم أحد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لجابر: ألا أبشّرك يا جابر؟ قال: بلى بشّرك اللّه بالخير، قال: إنّ اللّه أحيا أباك فأقعده بين يديه، وليس بينه وبينه حجاب ولا رسول. فقال تعالى: تمنّ عليّ يا عبدي، ما شئت أعطيكه.
فقال: يا ربّ! إن تردّني إلى الدنيا حتّى أقتل فيك وفي نبيّك مرّة أخرى. فقال اللّه عزّ وجل: سبق القضاء منّي بأنهم إليها لا يرجعون.
ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة.
وصيّة عمر لبعض قوّاده:
وتعجبني دعوة عمر بن الخطاب إلى ذكر اللّه وخشيته، رجاء غوثه ورحمته، في وصية لبعض قواده: أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى اللّه على كل حال، فإن تقوى اللّه أفضل العدّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وأن تكون أنت ومن معك أشدّ احتراسا من المعاصي فيكم من عدوّكم، فإنّ ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإن لا ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من اللّه، يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، واسألوا اللّه العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم. اهـ.